في حيفا لقبت أم كلثوم بكوكب ألشرق
• أحمد مروات
كانت مدينة حيفا مركزا استراتيجيا من الدرجة الأولى في الفترة الانتدابية لفلسطين، ويعتبر ميناؤها ثاني أهم موانئ شرق البحر الأبيض بعد ميناء الإسكندرية، ومركز فلسطين البري من خلال سكّة الحديد الحجازيّة، وفيها مركز لشركات كُبرى مثل «آي بي سي»، وشركة «الشيل» وشركة « دمشق ـ الوطن ستيل» ومصفاة البترول وشركات البواخر، وأكبر مصنع للتبغ في فلسطين لابل بل يعد من اكبر المصانع في العالم العربي " قرمان ديك وسلطي " وهذه المراكز فتحت وأفسحت المجال لسكان حيفا وللعرب القادمين من سوريا ولبنان، كذلك اليهود للعمل، فكانت حيفا مدينة ذات خصوصيّات مميَّزة فلم يسُدها التطرّف ولا التّوتّرات التي وضعها الانجليز والحركة الصّهيونيّة بكامل ثِقلهم فيها لإحداث وتنفيذ مآربهم. حين ذكر مدينة حيفا وبالأخص تاريخيا يقوم احد المسنين بلفت أنظارنا إلى أن هذه المدينة هي اقتصادية من الدرجة الأولى لابل وإنها ورشة صناعية لامثيل لها بين المدن المركزية والساحلية الكبرى في فلسطين .. فيبدو أن السكة الحجازية التي بادر لإنشائها الترك مع بداية العام 1905 لتسهيل عملية الحج والسفر إلى الديار الحجازية كان لها وقع في نفوس السكان المحليين على أن السكة الحديدية ربطت مدينة دمشق في سوريا وبين المدينة المنورة في الحجاز. وكان لها خط فرعي بين مدينتي درعا (في سوريا) وحيفا على الساحل الفلسطيني.
لا بل امتد إلى كل الفلسطينيين إلى التقاط الرزق من عرق جبينها من خلال العمل بها كمصدر رزق أولي كبير ..
وناهيك عن مصافي البترول التي حازت على مساحات كبيرة من خريطة حيفا جعلت الأنظار تدب عليها للعمل والانخراط بها وحتى الافتخار بها كعمل مميز لمن حظي بة من الخاصة . لكن لمدينة حيفا كان هناك وجة آخر وهو الوجه الثقافي المتمثل بالصحافة والمسرح وألادب ودور العلم المتنوعة وحتى الأعلام الحيفيين الذين بادروا باحتضان هذة المؤسسات الإبداعية التي لعبت دورا هاما في فلسطين والعالم العربي خاصة في عشرينيات القرن العشرين .
فمنها ظهرت أولى أبرز الصحف الفلسطينية " الكرمل " التي كانت المرقب الشاهق لأفعال وتحركات الحركة الصهيونية المتمثلة بالانتداب البريطاني . ومنها صدرت مجلة الزهور لصاحبها الأديب جميل حنا البحري والتي تميزت بميولها الأدبي عن دون غيرها من زميلاتها في مجال الصحافة المكتوبة.
فقد كان سُكّانها يتعاونون ويتعاملون مع بعضهم البعض يوميًّا في أماكن عمل واحدة وتحت سقف واحد، في المصانع والموانئ والمكاتب والمدارس والمتاجر والدّوائر الرّسميّة، الحكوميّة والبلديّة والقضائيّة. في حيفا سكن اليهود في معظمهم جبل الكرمل ومنطقة الهادار، والعرب سكنوا بالبلدة القديمه بشوارع مثل يافا، اللنبي، ستانتون، الملوك، هرتسل، عباس، بات جاليم، وادي النسناس، وادي الجمال الخ… كانت البلدة القديمة قريبة أكثر على البحر، مع وجود حارات مختلطة بين العرب واليهود وكانت العلاقات جيدة بين الطرفين. واليهود كانوا على فئتين : يهود عرب، ويهود جاءوا من رومانيا وبولونيا ودول البلطيق وهم غالبية يهود حيفا، والعلاقة معهم كانت جيدة بشكل عام ..
لقد استهدفت العملية اليهودية في مرحلتها الأولى المنطقة المحيطة بحيفا،وكانت تهدف إلى تصفية كل شيء يرمز إلى نشوء وتطور الثقافة أو الاقتصاد الفلسطيني بكل زواياة معتبرتا بذلك تجاوز قد يفوق الحلم الصهيوني المبيت في سلب البلاد واغتصاب ممتلكاتها. وبما أن حيفا كانت ميناء فلسطين الرئيسي، فإنها كانت المحطة الأخيرة في مسار الانسحاب البريطاني. وكان من المتوقع أن يبقى البريطانيون حتى أغسطس، لكنهم قرروا في فبراير 1948 تقديم موعد الانسحاب إلى مايو ،فقد كانت أعدادا كبيرة من الجنود البريطانيين بها من موظفين ومسؤلين كبار نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام...
في حيفا لقبت أم كلثوم بكوكب ألشرق !!
هي دعوة تلقتها ألآنسة أم كلثوم ضمن الدعوات التي كان يرسلها نادي الرابطة الأدبي الذي كان ينشط بها أبناء مدينة حيفا من الشباب إبان الانتداب البريطاني لفلسطين ,
لبت أم كلثوم الدعوة وفي داخلها ألف شوقا وحنين كما ذكرت في مجلة المصور المصرية عن هذه الزيارة ولوصفها لجمال حيفا التي وطأت قدميها للمرة الأولى ..
مع إطلالة العام 1928 كانت أم كلثوم في مدينة القدس حين غنت على مسرح " عدن " أمام جمهور غفير من عشاق الطرب والشعر العربي القديم ,, كما وصف هذه الزيارة الموسيقار المقدسي واصف جوهرية أنها كانت ليلة من أليالي الملاح ومن الأيام التي لاتنسى .. ومنها مضت إلى حيفا عبر القطار لتحي بها ليلتين أحداهما في شارع الملوك وثانيهما في مسرح ألانشراح المشهور قبيل النكبة.
ومنها لقبت بهذا اللقب من سيدة حيفاوية تدعى أم فؤاد حيث صعدت على المسرح وقالت لها أنت كوكب ألشرق باكملة وهو ما تثبتة بعض الروايات الشفوية التي قام بها بعض المؤرخين حين قابلوا هذة السيدة في مخيمات الشتات والحديث عن هذة الزيارة التاريخية للسيدة أم كلثوم لحيفا ..
حيفا مشروع ثقافي لم يكتمل !
قبيل النكبة، كانت حيفا مشروع مدينة ثقافية متطورة وفي كافة ألأصعدة، فعميد المسرح العربي يوسف وهبي عرض على مسارحها مع فرقة «رمسيس» على خشبة مسرح «عين دور» أدوارا كثيرة منها مسرحية كرسي ألاعتراف وغيرها وبدعوة من زملاءه في الرابطة الأدبية التي أسسها المرحوم الأديب جميل حنا ألبحري . . وفي مناسبات أخرى احتضنت المدينة حفلات غنائية لفريد الأطرش وأسمهان وغيرهم حيث حضرها آلاف المعجبين.
أما الآنسة أم كلثوم وهو ألاسم الذي اعتاد العالم العربي بتسميتها بة كان مرتبطا بها وبمسيرتها الغنائية حتى جاءت الصدف أن يستبدل أو يضاف علية بلقب " كوكب ألشرق" وهو اللقب الذي حظي باهتمام شديد وخاصة في المحافل الفنية وخاصة ما قبل الثلاثينيات !
ألا أن بعد زيارتها لمدينة حيفا وغنائها بها على خشبة مسرح ألانشراح أغنية " أفدية إن حفظ الهوى"، نالت لقب «كوكب الشرق» من فلسطين وفي مدينة حيفا....
نشأة المسرح الفلسطيني بحيفا!
كانت أولى المسرحيات التي ألفت في مدينة حيفا من نتاج الأديب الكبير جميل حنا البحري في العام 1922 بعنوان الحق يعلو وعرضتها الفرقة المتجولة في العام 1933 أما الرواية الثانية فؤاد وليلى فقد كتبها في العام 1930 ، وقامت بعرضها فرقة الجوزي في العام 1936 ، وتم إذاعتها من الإذاعة الفلسطينية " هنا ألقدس " عام 1937 ..
تمثيلية الشموع المحترقة في العام 1930 وطبعت في العام 1936 وعرضت على المسارح الفلسطينية والأردنية واللبنانية بين السنوات 1937 -1941. كما قامت فرق مسرحية من الناصرة والجليل في فترات متقدمة بالعمل عليها وتقديمها على المسرح في العام 1937. وفي كتاب فلسطينيون 1948- 1988 الذي حرره خالد خليفة ، خصص فصلا عن المسرح الفلسطيني أعده يوسف حيدر حيث استعرض فيه بعض النشاطات المسرحية في فلسطين قبل العام 1988 ، مثل إسهام جمعية الرابطة الأدبية في حيفا النشاط المسرحي ، فقدمت مساء السبت 19 كانون الثاني 1929 مسرحية قاتل أخيه لجميل البحري على مسرح بستان المدينة . وإسهام اللجنة التمثيلية لنادي الشبيبهة فبيت لحم بتقديم عروض مسرحية اجتماعية حضرها من يافا رئيس نادي الشبيبة الارتوذكسيه بصحبة رئيس اللجنة التمثيلية وبعض الأعضاء خصيصا لمشاهدتها . وفي غزة قامت اللجنة التمثيلية للنادي الأرثوذكسي بدورها في التمثيل وإعلاء شان الفن المسرحي فيها ، فقدمت رواية حمدان أو غانية الأندلس بالتعاون مع الفنان الحائز على جوائز في فن التمثيل ، أصلان مراد .ومن الجمعيات التمثيلية التي قدمت أعمالا مسرحية عنترة على مسرح مدرسة الفرير . ولقد قامت في الثلث الأول من القرن العشرين فرقة من شباب القدس الذين مثلوا رواية مجدولين على مسرح سينما صهيون في القدس . ومن الجمعيات التي لها فرق تمثيلية في البلاد ، جمعية الشبان المسلمين الكبرى في يافا حيث اخرجوا مسرحية دموع يائسة ، والتي عرضت على مسرح قهوة أبو شاكوش. كما قامت في تلك الآونة في البلاد فرق مسرحية أخذت تتجول في أنحاء فلسطين والأردن لعرض مسرحياتها، منها فرقة الهيئة التمثيلية لنادي الشبيبة في بيت لحم ، التي كانت تقوم بجولات لعرض مسرحيتها رواية الاستبدال . كمان أن زيارات فرقة رمسيس المصرية حيفا اثر على نشوء نهضة مسرحية في المدينة ، وأول من غرس نواة هذه النهضة جمعية الرابطة الأدبية ، والتي جعلت حفلاتها التمثيلية عامة ومجانية ، فاقبل عليها سكان حيفا على اختلاف مللهم ونحلهم . ثم تبعتها الجمعية الاسلاميه فمثلت على مسرح زهرة الشرق رواية فهد الطرابلسي .. بعدها قام رجال النادي الساليسي بتمثيل روايتين إحداهما كسري العرب والأخرى انتقام الكاهن . قام بعد ذلك النادي الرياضي الإسلامي بتمثيل رواية (مطامع النساء ) ، وكانت كلها عبرا للنساء ، ولكن لم يكن بين الحضور نساء . ثم قام بتمثيل رواية الوفاء نخبة من الشبان الذين يهون التمثيل في المدينة، والذين لم تجمع بينهم جمعية أو مؤسسة. بعدها قام أعضاء النادي العربي بتمثيل رواية مجدولين على مسرح شبان الانشراح ومن ثم فرقة كشافة حيفا الخامسة التي عرضت مسرحية الأسود والنعمان . وبهذا تكون مسارح المدينة قد شهدت خلال الثلاثة أشهر شباط ، آذار ونيسات من العام 1929 ما يزيد على الثماني روايات . ومن ابرز الفرق المسرحية الفلسطينية في تلك الفترة ، الكرمل التمثيلية ، التي استطاعت القيام بأدوار تمثيلية معقدة ونجحت فيها مثل هاملت . ومن ابرز المثلين الذين مثلوا في هذه ... الفرقة اسكندر أيوب ، ومن الممثلات أسماء خوري وثريا أيوب . ونتيجة الحاجة إلى النصوص المسرحية كانت للشعراء الفلسطينيين تجارب في مثل هذا المجال مثل مسرحية الشهيد سنة 1947. ومسرحية شعرية بعنوان امرؤ ألقيس بن حجر سنة 1946، وكتب الشاعر محيي الدين الحاج عيسى مسرحية مصرع كليب في العام 1947، وكانت موضوعات هذه المسرحيات تاريخية بحتة
** ألأرشيف الفلسطيني – ألناصرة
* مجلة ترفزيون
*صور بطاقة لحفلة أم كلثوم في القدس وحيفا ومدينة حيفا