«رب صدفة خير من ألف ميعاد»، هذا أقرب وصف لواقع زيارة الرئيس الأميركي للعاصمة الإماراتية أبوظبي ضمن جولته الشرق أوسطية، ولو عاد لزيارة المنطقة 100 مرة، فلن يصادف هذه الأجواء التي حلت على أبوظبي أمس، ليس بانعكاسها على أجواء زيارة رسمية كغيرها من الزيارات، ولكن باعتبار أنه قام بجولة برية في أجواء ربيعية في صحراء أبوظبي.
ولأن أبوظبي لا تعرف الشتاء القارس تماما، وتميل الأجواء في شتائها إلى الربيع أكثر منه إلى البرودة القارسة، فقد استمتع بوش بجو ربيعي جميل وهو يتجول في براري أبوظبي، بدعوة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، بحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
رذاذ المطر أعطى للزيارة الرئاسية الأميركية نكهة وطعما مختلفين، والغيوم حجبت شمس الخليج الساطعة باستمرار، حتى في عز فصل الشتاء.
الشيخ محمد بن زايد أراد أن يضع بصمة ظبيانية مختلفة على برنامج الرئيس الأميركي، ويبدو أن نجح في ذلك، بعد أن ابتعد عن الفقرات الرسمية المتكررة، ونظم فقرة محلية بحتة، لا علاقة لها بالسياسة والاقتصاد بطبيعة الحال، فكانت هذه الزيارة لمخيم بري بسيط وليد البيئة المحلية، بخيامه ومعداته وأدواته، وحتى جماله التي ناخت بالقرب من الرئيس الأميركي في غدوه ومجيئه بين زوايا المخيم.
وخلال الزيارة الصحراوية الظبيانية التي لم تدم سوى سويعات تخلى فيها عن ربطة العنق، وارتدى ملابس بسيطة، عاش الرئيس الأمريكي حياة البادية بكافة تفاصيلها، من الجلوس في بيت الشعر والاستمتاع بالصحراء وقت الغروب، مرورا بمشاهدة أنواع مختلفة من الصقور، ثم بتجربة تثبيتها على يده وكأنه غدا محترفا في الصقور، وانتهاء باستغلال النار الموقدة من الحطب للتدفئة من برودة، ليست قارسة، تأتي آخر النهار.
ولعل أكثر ما مميز رحلة بوش الصحراوية، هو التوقف طويلا أمام قيام سيدات بطهي أكلات شعبية إماراتية، بل انه لم يتردد في التزود منها والاستمتاع بمذاقها الطازج، عندما تشارك مع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تناول خبز تم طهيه أمامهما.
يمكن القول إن بوش انتقل سريعا من شخصية قائد أكبر دولة في العالم، إلى شخصية رجل الكاوبوي الذي يهوى حياة الطبيعة على بساطتها. فبعد أقل من ساعة على خطابه الناري ومهاجمته لإيران والمتطرفين والانغماس بالسياسة حتى أخمص قدميه، نحى كل هذا جانبا، وعاش حياة البساطة، واتجه من قصر الإمارات، حيث الفخامة بكافة تفاصيلها الدقيقة، إلى صحراء أبوظبي القريبة، ليمني نفسه برحلة هانئة تبعد عنه هموم السياسة، ولا بد أنه ارتاح منها.. لعشرات الدقائق فقط.
وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، والسفيرة الأميركية لدى الإمارات، رافقتا بوش أيضا في زيارته الصحراوية، وكانت معهما الشيخة لبنى القاسمي وزيرة الاقتصاد الإماراتية.
وبعدما استمتع بوش أول من أمس برقصة العرضة البحرينية، برفقة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، جاء الدور هذه المرة على أبوظبي وصحرائها المترامية الأطراف، وبدا بوش سعيدا وهو يتجول في ثنايا الصحراء، وينصت باهتمام لشرح واف من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، الذي رافقه في هذه الزيارة. وكان بوش قد أصر أن يأخذ قسطا من الراحة في زيارته للمنطقة، والتعرف على تراثها وعاداتها، ومن يدري فربما يعود للذة هذه الحياة الصحراوية مجددا، ليس الآن بطبيعة الحال، ولكن بعد أن تنتهي فترته الرئاسية، ويغادر المكتب البيضاوي، عندها لن يكون مضطرا لأن تكون مثل هذه الزيارة لساعات معدودة.