لم يتمالك الأسير المحرر جلال ياسين الهريمي نفسه عندما احتضن طفلته سماهر، ابنة العشر سنوات، بعد عودتها من غزة التي مكثت فيها إجباريا ست سنوات، بعد أن منعها الاحتلال بالعودة إلى مسقط رأسها في مدينة المهد، فأجهش بالبكاء.
وكانت الطفلة قد توجهت مع جدتها لزيارة جدها المبعد من كنيسة المهد فتوفيت جدتها ودفنت هناك، ومن ثم منعها الاحتلال من العودة فعاشت مع جدها السنوات العجاف، حتى سمح لها اليوم بالعودة بعد جهود الرئيس محمود عباس.
هذا المشهد ترك أثراً كبيراً في نفوس من تواجد في ساحة المهد حيث استقبلت الطفلة، فذرفت عينوهم دموعا.
وكانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهرا عندما حطت السيارة التي كانت تقل سماهر برفقة الدكتور صائب عريقات رئيس دائرة شؤون المفاوضات ، الذي قام بدورة بإنزال الطفلة والسير معها نحو منصة نصبت بالقرب من مركز السلام في مدينة بيت لحم. وسارعت الطفلة إلى التوجه إلى والديها وارتمت في حضنيهما وأخذت تقبلهما والدموع تذرف من عينيها، ومن ثم صعد شقيقتيها انشراح ودعاء وشقيقها ياسين ليكون العناق الأول من نوعه بعد ست سنوات من الإبعاد.
وقالت الطفلة: رغم بعدي عن أهلي كنت أعيش بين أهلي في غزة مع جدي الذي حاول أن يملأ حياتي بالحنان، لكن حنان الأم والأب لا يعوض.
وأضافت: فرحتي غير مكتملة حتى يلم شمل بقية أطفال فلسطين بآبائهم وأمهاتهم، بخروجهم من سجون الاحتلال وعودة المبعدين، مشيرة إلى أنها حزينة لأنها تركت جدها في غزة.
ولم تخف الطفلة الأعمال التي تقوم بها مليشيات حماس، مستذكرة أن جدها تعرض كثيراً لمضايقات الانقلابيين.
وذكرت: صحيح أنا سعيدة اليوم الذي اعتبره مميز في حياتي، لكن أتمنى من السيد الرئيس محمود عباس أن يواصل جهوده من أجل عودة كافة المبعدين وإطلاق سراح أسرى الحرية وعلى رأسهم المناضل مروان البرغوثي.
وفي منزل العائلة في شارع الصف وسط مدينة بيت لحم، احتشد المئات من ذوي الطفلة والأصدقاء والجيران واستقبلوها بحرارة وشوق، وتعالت الزغاريد فرحاً، حيث انطلقت الطفلة ببراءتها مع الأطفال تتجول بالقرب من المنزل لتعيد ذكرياتها الماضية.
وكان والد سماهر الذي لم يمضي على خروجه من سجون الاحتلال سوى 20 يوماً، بعد أن أمضى ست سنوات، فرحا وقال : منذ أن تم إبلاغي مساء أمس بعودة طفلتي لم انم وبقيت اعد الساعات لكنها فرحة منغصة، فأبي مبعد وأخي شهيد وأنا كنت في السجن وأمي توفيت دون أن أراها، ناهيك عن الإخوة المبعدين ومن هم في الأسر.
وأكد على ثقته وإيمانه بالقيادة الحكيمة التي على رأسها السيد الرئيس محمود عباس، وعملها على لم شمل العائلات الفلسطينية، معتبراً عودة ابنته خطوة أولى على طريق ذلك، مؤكداً أنه حان الوقت أن يعيش الشعب الفلسطيني كبقية العالم بعد المعاناة والتشرد والتهجير.
أم سماهر السيدة ختام قدمت شكرها لكل من ساهم في إعادة طفلتها، واصفة حياتها خلال سنوات الحرمان بالمأساوية، وقالت: تصور كيف أن تبعد الأم عن طفلها، لا يمكن أن يتصوره العقل، وهذه الصورة واحدة من آلاف الحالات التي تعيشها العائلات الفلسطينية، فحان الوقت أمام العالم وأصحاب الضمائر الحية بالتدخل وإنصاف الشعب الفلسطيني.
ووصف الدكتور عريقات عودة الطفلة سماهر بالإنجاز الكبير، مشيراً إلى أن هناك في الطريق اتفاق مبدئي مع الجانب الإسرائيلي بعودة 260 مبعد كمرحلة أولى، لكنهم بصدد اتخاذ الإجراءات والضمانات بعدم ملاحقتهم ومطاردتهم واعتقالهم، وقال:"هذا ما نأمل تحقيقه قريباً".
وأشار إلى أن لقاء يوم غد الذي سيجمع السيد الرئيس ورئيس الحكومة الإسرائيلية سيبحث قضايا مهمة منها المبعدين، التي هي دائماً على طاولة المفاوضات، وهذا يأتي أيضاً من اجل الإسراع في إحلال السلام، لافتاً إلى أنهم يسعون معاً إلى أن يكون العام 2008 عام سلام توقع خلاله معاهدة السلام.
ولم يخف د.عريقات أن هناك قضايا إنسانية في السجون الاحتلالية، منها المرضى وكبار السن وممن يتواجدون قبل العام 1993، جميعها ستطرح للحل.