ملك أوتار المدير العام
عدد الرسائل : 3067 العمر : 45 الموقع : منتديات اوتار الفنية . العمل/الترفيه : مدير المنتدى المزاج : ممتاز السٌّمعَة : 4 نقاط : 499 تاريخ التسجيل : 09/12/2007
| موضوع: تفاصي شهادات الناجيين من تحت انقاض عمارة الاسكندرية الخميس ديسمبر 27, 2007 11:01 am | |
| تفاصيل وشهادات الناجين من تحت انقاض عمارة الاسكندرية:احد المدفونين تحت الانقاض يطلب النجدة بالجوال
غزة-دنيا الوطن في حادث عمارة لوران المنكوبة وفور وقوع الحادث انطلق من القاهرة الي الاسكندرية فريق من أكفأ محرري أخبار الحوادث وائل أبوالسعود وعلاء عبدالكريم ومحمد كمال ووائل فؤاد وخيري عاطف وأيمن فاروق ومن مكتب الاسكندرية عادل حلمي والمصوران محمود عبدالعزيز وطارق الفرماوي يقودهم مدير تحرير أخبار الحوادث محمد رجب كانوا هناك مع رجال الانقاذ والاسعاف والمسئولين ليسجلوا لقراء أخبار الحوادث كل صغيرة وكبيرة وكل حكاية انسانية حتي انهم أجروا مكالمات تليفونية متعددة علي موبايل أحد الضحايا المدفونين تحت الأنقاض. نحن لا نهتم بالمتاعب ولانشكو منها.. نحن ندفع كل شيء من أجل الحقيقة ومن أجل صاحبة الجلالة.
شارع الزهور ملأته الدموع! الدنيا هنا شكل تاني.. في العيون دموع تنساب.. وفي القلوب احزان تكبر.. وتحت الانقاض أرواح تبحث عن يد منقذ.. وارواح استسلمت وفاضت لبارئها! فور وقوع مأساة انهيار البرج السكني رقم 21 بشارع الزهور المتفرع من شارع شعراوي بلوران الاسكندرية انطلق فريق أخبار الحوادث' إلي موقع الحادث يسابق الزمن وينهب الطريق، ليس بحثا عن قصص الناجين والضحايا. وليس لتسجيل حادث جديد من كوارث انهيار العمارات والمباني.. وليس لمجرد التغطية الصحفية ومتابعة تطورات الاحداث علي الطبيعة، وانما بحثا عن الحقيقة. .. الحقيقة المجردة التي تختفي احيانا بقدرة قادر وتظهر احيانا اخري متبورة او مشوهة أو مختفية وراء كلمات بلا معني ووعد حفظها الناس عن ظهر قلب! وصلنا بصعوبة لمسرح الحادث.. وكان الجواب باين من عنوانه.. الطرق بين الأبراج السكنية اشبه بالحواري الضيقة.. الأبراج نفسها تخرج ألسنتها للقانون والمسئولين عن تنفيذه في الاسكندرية.. عمليات الانقاذ تتم بصعوبة بالغة.. ولولا عناية الله وجهود القوات المسلحة لكانت الكارثة 'فرجة' العالم كله علينا.. المدخل الوحيد للعمارة المنكوبة لايتسع إلا للودر واحد.. وبالتالي العمل لايمكن ان يتم الا في مساحة صغيرة جدا لأن دخول المعدات والآلات التي احضرتها القوات المسلحة كان مستمرا! ووجدنا الناس يضربون كفا بكف وهم يتساءلون كيف لاتكون في الاسكندرية وحدة الكلاب المدربة علي عمليات الانقاذ مثلما كان الحال في عمارة مصر الجديدة في زلازل 1992 الشهير! ­ كيف لاتكون في الاسكندرية اجهزة التنصت التي تكشف عن مواقع الأحياء ؟! كيف يتم انتظار وصول 'النجدة' من القاهرة؟! أليست هذه كارثة لاتقل عن كارثة انهيار العمارة؟! لقد شاهدنا رجال الانقاذ يحاولون استخراج جثة السيدة علياء أكثر من خمس ساعات كاملة فيتوقف العمل تماما لضيق المكان! المنطقة كلها تنذر بكارثة تلو الكارثة واسألوا اساتذة الهندسة المعمارية عن مصير ابراج سكينة ترتفع الي ثمانية عشر طابقا بينما عرض الطريق لايزيد عن ثلاثة أمتار ونصف المتر؟! .. وحينما بدأنا نعمل بدأت سلسلة من العجائب والغرائب الميلودرامية.. العقار معلقا به لافته تحذر السكان من انهيار العمارة؟! وصاحبة العمارة استطاعت 'يالتساهيل وفتح مخك'.. ان تخالف كل القوانين وتشل يد القانون جهارا نهارا، ثم تأتي أختها التي يتم التحقيق معها الآن لتهدم اعمدة في شقتها فتتسبب في انهيار العمارة علي رؤوس سكانها! ساعات وساعات قضيناها بين الدموع بجوار انقاض العمارة، وبصراحة كده رجال القوات المسلحة هم الابطال الحقيقيون ومن خلفهم كانت قيادات الأمن ورجال المباحث والاسعاف واطباء من جميع التخصصات. ساعات وساعات كان حولنا فيها اقارب الضحايا يعيشون بين الأمل واليأس وحكايات نادرة ترويها السنتهم وحكايات مثيرة يرويها القدر علي الطبيعة وفوق رؤوس الاشهاد في شارع الزهور.. الذي أصبح شارع الدموع!
بعد دقائق قليلة من انهيار عقار الموت في لوران كان اللواء عادل لبيب محافظ الاسكندرية في موقع العقار المنهار وأشرف بنفسه علي عملية انقاذ الناجين وانتشال الجثث من تحت الانقاض وظهرت علي وجهه علامات التأثر الشديد. اللواء عادل لبيب امر بصرف عشرة آلاف جنيه إعانة عاجلة من المحافظة لكل مصاب وعشرين الف جنيه لكل متوفي وأكد ان كل امكانات المحافظة مسخرة لمساعدة أسر الضحايا. وعلي الرغم من الحالة النفسية السيئة التي كان عليها المحافظ الا انه لم يمتنع عن تلبية طلبات وسائل الاعلام المختلفة وامدادها بكل المعلومات التي تحتاجها حول الحادث. ولم يكن تواجد المحافظ عادل لبيب في موقع الحادث بالامر الجديد علي هذا الرجل الذي اعتاد دائما التواجد في الشارع مع المواطنين يستمع إلي شكاويهم ويسعي دائما لحلها ايمانا منه بان هذا هو دوره وواجبه. وليس التواجد في المكاتب المكيفة بعيدا عن نبض الشارع وكانت هذه السياسة سببا رئيسيا في النجاح الكبير الذي حققه عندما كان محافظا لقنا في أقصي جنوب مصر ورشحته لتولي منصب المحافظ في عاصمة مصر الثانية وعروس البحر المتوسط مدينة الاسكندرية الساحرة.
الملف الاسود لعمارة الموت
ملف العقار رقم 21 بشارع الزهور بحي لوران أسود بكل ما تحمله الكلمة من معان فلو دخل هذا الملف موسوعة جينيس العالمية لاحتل المركز الاول بجدارة في عدد المحاضر المخالفة لشروط البناء. هذا العقار الذي خارت أعمدته وهوت حوائطه وسقطت أسقفه علي رؤوس سكانه حكايته لها العجب.. بدأت تفاصيل هذه الحكاية.. أو المهزلة ­ عام 1982 عندما بدأت صاحبته بحفر اساسه لتصنع قواعده الاسمنتيه المدعم بالحديد الروماني الهش. هذا الحديد العجيب ظهر أول محضر مخالفة لشروط البناء يحمل رقم 707 لعام ..1982 لكن يبدو أن صاحبة العقار هانم مصطفي العريان أقوي من أن يردعها محضر مخالفة واحد صادر من حي المنتزة. وتوالت المخالفات! تم تشييد العقار بالرغم من استكمال البناء بنفس المخالفات.. وبسرعة شديدة أصبح عدد ادوار العقار 11 طابقا ويتم غلق ملف العمارة 6 سنوات كاملة.. حتي عام 1988 أصدر حي المنتزة قرارا ازالة العقار بأكمله لانه مخالف لشروط البناء.. ومهدد بالسقوط فوق رؤوس سكانه في اي وقت.. لكن هذا القرار الذي حمل رقم 154عام 1988 لم يفكر أحد في تنفيذه. ومرت سنوات عديدة والصمت عن العقار طال كثيرا.. لكن عام 1992 خرج الحي من سباته وتحرر محضر اخر لمخالفة العقار لشروط البناء.. لكن يبدو ان الجبل تمخض ليلد فأرا.. وظلت تحركات حي المنتزة مجرد كلام علي ورق.
ومازلنا مع رحلة ملف العقار الاسود. في نفس العام.. وكأن صاحبة العقار تتحدي الجميع.. قررت بناء طابقين آخريين ليصبح عدد أدواره 13 طابقا.. وكالعادة تحرك الحي بمحضر اخر لايقاف البناء.. المحضر يحمل رقم 392 لعام ..1992 لكن كان مصيره هو الاخر ارفف مخازن فيلا مكونة من طابقين. وكان آخر القرارات صدرت عام 1995! فبعد ثلاث سنوات من بناء الطابقين اصدر الحي قرارا جديدا بازالة الدورين يحمل رقم 1081 لعام ..1995 وكالعادة القرار ظل حبرا علي الورق فقط.. ومنذ هذا التاريخ صمت الحي حتي صباح يوم 25 من شهر ديسمبر عام 2007 .. اي بعد 12 عاما من صدور اخر قرار ازالة سقط العقار ليدمي قلوب الجميع.
أنت تحت الأنقاض.. معاك كام واحد؟!.. طب أنت 'كويس دلوقتي'.. حاول تتماسك.. أحنا كلنا معاكم.. والأسعاف موجودة.. ورجال الانقاذ سوف يصلون إليك حالا. هذه الكلمات سمعناها.. من أحد الاشخاص المتواجدين في مكان الحادث.. وخلال لحظات المكالمة الغريبة والمدهشة دارت في أذهاننا علامات أستفهام خطيرة ومثيرة في نفس الوقت.. وهذا ما جعلنا نسأل الرجل عن سر هذه المكالمة.. وبصوت خافت.. وعيون زائغة.. وجسد مرتعش.. فجر الرجل العديد من المفاجأت.. خاصة بعد ان علمنا أنه كان يتحدث مع أحد ضحايا العمارة المنكوبة.. والذي يرقد تحت أنقاضها وربما يكون هذا الشخص وحتي كتابة هذه السطور حي يرزق.. أو ربما يكون قد فارق الحياة.. | |
|
ملك أوتار المدير العام
عدد الرسائل : 3067 العمر : 45 الموقع : منتديات اوتار الفنية . العمل/الترفيه : مدير المنتدى المزاج : ممتاز السٌّمعَة : 4 نقاط : 499 تاريخ التسجيل : 09/12/2007
| موضوع: رد: تفاصي شهادات الناجيين من تحت انقاض عمارة الاسكندرية الخميس ديسمبر 27, 2007 11:02 am | |
| الناجي ورقم الهاتف! بدأ الرجل كلامه قائلا: قبل دقائق من الان.. خرج أحد الناجين من الموت من تحت انقاض العمارة المنكوبة.. ويدعي رمضان أبوحمدي وهو يعمل خفيرا.. خرج وجسده متهالك.. وملابسه ممزقه ومغطاة بالأتربة.. وكأنه مازال مردوم تحت التراب.. لم يتكلم الرجل كثيرا.. ولم يتحدث الا مع القليل.. وكنت أنا 'محمد نجيب' من بين اللذين التقط منهم بعض الكلمات.. كانت معظم كلماته غير مفهومه أو غير واضحة. لكن قال لي قبل أن يختفي عن الأنظار.. أن هناك رجلا كان معه تحت الانقاض.. وهاتفه المحمول مازال يعمل حتي الان.. أعطاني رقم هاتفه وأوصاني أن أبلغه لأي أحد.. يستطيع أن ينقذه من الموت وينقذ بعض الاشخاص المتواجدين معه.. وبسرعة سألناه عن مضمون حواره مع الرجل.. فقال مضطربا.. والدموع تنساب من عينيه من هول المكالمة: قال لي الرجل: أنه لايري أي شيء.. بسبب الظلام وأنه من سكان الدور الأول.. ويري فقط بأضاءة موبايله.. ويحاول الاتصال بأي شخص.. الا أن أعصابه تخونه وتمنعه من مجرد التفكير في أي شيء.. وأنه خائف بشدة.. وقلبه يكاد يتوقف من الرعب. يصمت 'محمد نجيب قليلا.. فيتنهد قبل أن يستكمل كلامه: وأضاف لي الرجل بأنه يسمع صوت حوالي عشرين شخصا مازالوا أحياء حوله.. لكنه لايستطيع الوصول إليهم.. لأنه عاجز عن الحركة.. بسبب الاحجار من حوله.. كما أن معظم من معه لايكفوا عن الصراخ والبكاء بحرقة.. ويحاولون الأستغاثة بأي شخص.. لكن صرخاتهم ودموعهم لم تستطيع كسر هذه الحواجز المنيعة.. ويصمت 'محمد نجيب' مرة أخري.. ثم يواصل كلامه: الرجل قال لي نحن نعيش هنا أصعب ساعات في حياتنا.. نحن نشعر بالموت في كل دقيقة نعيشها.. وليس عندنا أي أمل في النجاة. ويقول 'محمد نجيب': الرجل كان يتحدث وهو يبكي.. وصوته متحشرج ويحاول بين الحين والحين الأخر أن يلتقط أنفاسه. لكني أكدت له أن هناك العشرات من الأطباء.. ورجال الأنقاذ والشرطة والأسعاف.. يسابقون الزمن لمحاولة انقاذهم.. وقلت له أيضا حاولوا أن تتماسكوا.. فهناك المئات يدعون الله لهم.. وأننا جميعا نرتجف من شدة الخوف علي حياتكم.. ونصحته الا يغلق هاتفه المحمول.. لانني سوف أعاود الأتصال به مرة أخري.. وهنا انقطعت المكالمة بيني وبينه.. لأن رصيدي نفذ! مغلق ومكالمة أخري! سألناه ولماذا تحاول الاتصال به مرة أخري؟!.. وطلبنا منه رقم هاتف هذا الرجل؟!وبصوت مخنوق قال الرجل: أغلقت معه الهاتف منذ دقائق قليلة.. وللأسف أريد الاتصال به مرة أخري.. لكن رصيدي قد نفذ.. لكن هذا هو رقم هاتف الرجل الذي لم أعرف أسمه أو أي شيء عنه.. سوي هذه الكلمات التي قالها لي.. وأعطانا 'محمد نجيب' رقم الهاتف.. وبسرعة أتصلنا به.. لكن جاءت إلينا هذه الرسالة عبر سماعة الموبايل.. 'الهاتف الذي طلبته ربما يكون مغلقا.. يرجي اعادة المحاولة فيما بعد'.. ويبدوا أن الاتصال بهذا الرجل مرة أخري أصبح مستحيلا.. ويبدوا أيضا أن بطارية هاتفه نفذت بسرعة.. لأنه أعتمد علي اضاءة هاتفه المحمول.. أو لأنه لم يتكمن من شحنها قبل الحادث.. خاصة أن الحادث وقع في حوالي العاشرة صباحا.. لكن قبل أن نتعرف.. سمعنا كلمات إمرأة كانت تتحدث مع سيدة أخري كانت تبكي.. وشبه منهارة.. وتقول لها: أقسم بالله ياحاجة ان فيه ناس لسة عايشة الان تحت الانقاض.. أنا حالا سمعت مكالمة صارت بين شخص وأمرأة.. تبدوا أنها قريبة له.. أو زوجته.. وقالت السيدة التي ترقد تحت الانقاض.. ان هناك العديد من سكان العمارة المنكوبة.. مازالوا علي قيد الحياة.. لكنهم منهارين تماما.. وأنها هي الأخري لاتستطيع أن تتماسك أكثر من ذلك.. وطلبت منه.. أن نقوم بالدعاء لها.. ومن معها! أما السيدة الأخري فقالت وهي تبكي.. أرجوا أن يكون كلامك هذا حقيقي.. وأنا أدعي لهم بلساني وقلبي.. وأدعوا لها معكي؟!
أنتهت أحداث المكالمات إلي هنا.. لكن حتي كتابة هذه السطور.. ونحن نحاول الاتصال برقم هاتف الرجل الذي يرقد تحت الانقاض.. لكن هي هي نفس الرسالة التي تفيد بأن الهاتف ربما يكون مغلقا.. والان لم يفيد الا الدعاء لهؤلاء الابرياء.. وجهود رجال الاسعاف والانقاذ والشرطة.. الذين يسارعون الزمن من أجل؟؟؟؟،، ادعوا معنا!
لم يكن يوما عاديا أبدا في حياة الحاجة فوزية محمود عبدالمعطي التي جاوزت السابعة والستين من عمرها. كان يوما لا ينسي .. وكيف ينسي وهو الذي كاد أن يتحول الي آخر أيامها في الدنيا وكان سيحمل تاريخ وفاتها. استيقظت الحاجة فوزية من نومها مبكرة كعادتها..بدأت تمارس اعمالها المنزلية بهمة ونشاط معهودين. فجأة شعرت بجدران شقتها تتراقص بجنون وشعرت بالأرض تهتز بشدة تحت قدميها ظنت في البداية ان هناك زلزال عنيف يضرب الاسكندرية بأكملها.. وفجأة شعرت وكأن الارض انشقت وابتلعتها واستمعت إلي صرخات عالية حتي ظنت لوهلة أن القيامة قامت. فقدت الحاجة فوزية احساسها بما حولها حتي انها تصورت انها انتقلت الي العالم الآخر واستسلمت تماما لمصيرها كميتة ترقد داخل قبر مظلم إلا أنها بدأت تتنبه إلي الاحساس في أطرافها وأدركت انها مازالت علي قيد الحياة ولكنها تحت انقاض كثيفة..لم تعد تدري كم مر من الوقت وهي تحت الانقاض وسط الظلام الحالك.. الموت يزحف إليها ببطء وثقة وكأنه يدرك انها مثل الفريسة في المصيدة غير قادرة علي الافلات من قبضته وسينال منها حتما. كاد اليأس ان يتسرب إليها الا ان جرعة الايمان العالية التي تملأ قلبها جعلتها تذكر الله وتردد بعض الآيات القرآنية.. وبدأت نفسها تهدأ بذكر الله. وفجأة تناهي إلي سمعها صوت وقع اقدام فوقها مباشرة. أدركت ان رجال الانقاذ يبحثون عن أحياء لاخراجهم من تحت الأنقاض وأكوام التراب حاولت ان تصرخ لتنبههم إلي مكان وجودها الا ان الصرخات احتبست في حلقها وعجزت عن الاستغاثة. وفجأة رأت بصيص من الضوء وأدركت ان رجال الانقاذ نجحوا في فتح فتحه صغيرة وسط الأحجار فبذلت جهدا خارقا لتحريك ذراعها للوصول إلي الفتحة .. وشعرت بآلام مبرحة وسال عرقها غزيرا وهي تحاول الوصول للفتحة. وبعد محاولات عديدة نجحت اخيرا في تمرير يدها من الفتحة. ولحسن حظها شاهدها احد رجال الانقاذ وبدأ بمساعدة زملائه في توسيع الفتحة حتي نجحوا في صنع فجوة كافية لاخراج جسد الحاجة فوزية وبدأوا في حملها واخراجها من اسفل الانقاض. وتنفست الحاجة.. فوزية.. نسمات الحياة والنجاة وهي لاتصدق انها انتصرت علي الموت في معركة البقاء الشرسة ونظرت خلفها وهي تبتعد عن موقع انهيار العمارة وألقت نظرة طويلة وعميقة وتتساءل بينها وبين نفسها.. هل هذه الأنقاض هي نفسها الجدران الرحبة التي احتضنت أجمل سنين حياتها واسعد لحظات عمرها.. هل هذه الانقاض هي نفسها الجدران التي كانت تضم رجال وسيدات.. وشبان وفتيات واطفال يعيشون في امان وسعادة دون أن يدركوا ماذا يخبئة لهم القدر. ألقت نظرة أخيرة قبل ان تدبر ظهرها للعمارة المنهارة وتمضي لحال سبيلها وهي تردد سبحان من له الدوام.. سبحان من يغير ولا يتغير.
الناجون يدلون بشهادة خطيرة
'بين الموت والحياة لحظة.. وربما أقل.. لكن كلمة القدر تكون دائما أسبق من مقاييس الزمن، تهب الحياة لمن لازالت في عمره بقية ولو كان يرقد تحت أنقاض من الحجارة والحديد والأسمنت مثل الجبل الشامخ.. وتنهي حياة من وصل عمره الي محطة النهاية ولو كان في نفس مكان الحادث! .. وفي عمارة لوران كنا نقف حول الأنقاض وأحيانا فوقها نرقب ونشاهد بجهل الانسان حكمة القدر، ونسمع من الناجين حكايات تقشعر لها الأبدان تارة.. وتدمع لها العيون تارة أخري.. وهذه صور وسطور من قلب المأساة وعلي ألسنة الذين وهبهم القدر عمرا جديدا!
أمي الي جواري! استيقظت من نومي مبكرا وذهبت أتوضأ لأصلي صلاة الصبح فشعرت بالعمارة تهتز اهتزازا عنيفا فظننت أن زلزالا قد وقع ولكن الحقيقة أن بيتي كان ينهار! هكذا بدأت ليلي محمود صفوت 47 سنة حديثها مع أخبار الحوادث واستمرت قائلة من علي فراشها بمستشفي شرق المدينة تروي لنا لحظات الرعب والموت السوداء فقالت انها وجدت نفسها تحت كومة من الركاب والموت يحاصرها من كل جانب فلم تجد إلا الله لتستغيث به وكان ذكر الرحمن هو جليسها في هذا الظلام الحالك لكن أكثر ما كان يؤلمها ويزيد من عذابها أنها كانت تسمع صراخ والدتها علي مقربة منها ولم تستطع أن تفعل شيئا كما أن ابنتها التي كانت نائمة في الشقة المجاورة لها مازالت تحت التراب ولا تعلم إذا ما كانت حية أم أنها ماتت! وأضافت انه وسط كل هذا الكم من العذاب وجدت أيدي بعض رجال الانقاذ بالقوات المسلحة تمتد اليها ويتم اخراجها ثم نقلوها للمستشفي ونتمني من الله أن يتم انقاذ أمها وابنتها.
صاحبة العمارة! صاحبة العمارة قتلت زوجة شقيقي وابنتها.. هكذا قالت سهير البحر شقيقة أسامة البحر أحد السكان الذين ينتظرون كلمة القدر بجوار الأنقاض وأضافت في حديثها 'لأخبار الحوادث' أن زوجة شقيقتها قد قامت بالاتصال بها منذ عدة أيام وقالت لها أن صاحبة العقار تقوم بتكسير الأعمدة الأساسية بالطابق الأرضي الذي تملكه شقيقتها وأنه فور علمها بانهيار العمارة فرت هاربة الي الكويت وانها اعتادت أن تفعل ذلك دائما مشيرة الي أن شقيقها وزوجته واحدي صديقاتها وأطفالهم الثلاثة مازالوا تحت الأنقاض حتي الآن!
تحويشة العمر..! وتقول المحامية ايزيس خير '43 سنة' انها علي مدار 12 عاما تتقدم ببلاغات لحي شرق الاسكندرية ولكن لم يستجب لها أحد مشيرة الي أن ابنتها ماجدة بالكويت وفاتن بأمريكا قد وضعتا تحويشة العمر في شقتين قامتا بشرائها ولكن ضاع شقاء السنين خاصة أن ابنتها فاتن كانت تضع بشقتها كل ما قامت بشرائه ولكنها تحمد الله أن ابنتيها لم تكونا بالعقار وقت وقوع الحادث.
العقار ينهار! أما الكيمائي حسام حسن فيقول أنه يسكن الي جوار العمارة المنكوبة وأن العقار المنهار كانت تسقط منه أجزاء منذ سنوات وكانت تؤدي الي تحطيم السيارة الموجودة بالمكان وكانت هناك يافطة بالدور الأول تحذر من أن العقار سينهار وكأن أحد لم يلتفت لذلك! زوجتي تموت! أما العميد يحيي زيدان ويسكن في الطابق السابع فيقول أنه أخذ ابنه الصغير ونزل الي مكتب البريد لصرف معاشه وترك زوجته في البيت لحين استدعائها لصرف معاشها فأمر ابنه بالعودة لاستدعاء الأم وا سمها اكرام وكان الطفل الصغير ذهب الي منزله فوجد المنزل كومة من التراب فهرول الي والده وقال أن بيتنا قد وقع يا أبي فاعتقد الأب أن ابنه يمزح فعنفه.. وكان بكاء الابن دفعه الي أن ينطلق نحو البيت ليجد الصدمة أمام عينيه ولم تسعفه الدموع التي تحجرت بعينيه ثم يصرخ: 'انقذوا زوجتي من تحت التراب قبل أن تموت'. ويقول المهندس البرعي المقيم بالشقة رقم 6 بالعقار المجاور مباشرة لبرج الموت كما وصفه 'لم أكن موجودا وقت انهيار العقار لكن أطفالي كانوا موجودين وشرحوا لي ما شاهدوه حينما كانت عقارب الساعة تقترب من الحادية عشر صباحا.. شعروا بهزة شديدة تسيطر علي البيت.. صراخ عالي سيطر علي جميع الموجودين داخل العقار.. اعتقدوا أن البيت ينهار.. احتضنوا بعض.. وتلفظوا بالشهادة ولكن ما لبث أن هدأت الأجواء فأسرعوا الي الشرفة ليشاهدوا ما حدث.. لم يستطيعوا رؤية شيء.. فالغبار كسي المكان.. والرعب والفزع ملأ الجميع.. لكنه سمع أصوات بالخارج. هدأ المهندس مصطفي بعض الشيء.. ولفظ أنفاسه.. ثم قال 'هذه العمارة آيلة للسقوط منذ زمن وجاء قرار ازالة اليها منذ عشر سنوات لكن فجأة سمعنا من صاحبة العقار أنها أخذت براءة من المحكمة وبدأت في تسكينها من جديد.. علي الرغم من كثرة البلاغات ضدها خاصة انها قامت ببناء أكثر من ثلاثة طوابق بالعقار نفسه وتسكنها. فجأة دلف المهندس الي داخل الشقة وانهي حديثه لأنه قرر أن يخلي الشقة طبقا للتعليمات خوفا من أن يحدث انهيار اليها أيضا.
لصوص الكوارث! 'لم نرحل.. سنموت في بيتنا' هكذا بدأت معنا الكلام الحاجة أم محمد التي تقطن بالعقار المجاور للعمارة المنكوبة.. حاولنا تهدئتها لكنها كانت في قمة ثورتها.. وبعد أن علمت هويتنا.. هدأت بعض الشيء وأخذت تتحدث قائلة 'أنا آسفة.. منذ وقت قصير تلقيت مكالمة هاتفية من أحد أقاربي.. قال لي لا تتركي الشقة لأن سكان العقار المجاور لهم.. تركوا المنزل وفوجئوا بعد ذلك بسرقته!
شاهدت لاحادث والتقط أطراف الحديث منها ابنها المهندس محمد علي الذي يبلغ من العمر 25 عاما.. وبدأ يحكي ما شاهده.. قائلا: كنت نائما فانتفضت فجأة من فوق السرير علي أثر هزة عنيفة.. هرولت الي الشرفة فوجدت العقار الذي بجانبنا يسقط بصورة غريبة وكأنه شخص أصابه دوار والدنيا دارت به وفجأة سقط علي الأرض حتي انهارت الأعمدة من أسفله وأصبح هكذا كما تشاهده. وأضاف محمد والحيرة ترسم معالم وجهه: هناك علي الأقل 40 جثة تحت الأنقاض. وهدأت الأم عادت مرة أخري قائلة: 'المثير أن صاحبة العقار واسمها هانم العريان موجودة بإحدي دول الخليج.. والأكثر إثارة انها كانت ترسل لمحاميها لاجراء تعديلات بالعقار وبناء طوابق أخري رغم وجود لافتة علقها السكان علي مدخل العقار انه آيل للسقوط وفجأة نمي الي مسامعنا انه أصبح صالحا للسكن.. كيف؟!.. هذا السؤال لم نستطع الاجابة عليه حتي الآن لكن الأيام مرت بسرعة وأجابت عليه بكارثة ومأساة راح ضحيتها العديد من الأسر! وقال محمود أحمد شهود العيان أيضا أنه في صباح هذا اليوم سمع صوتا شديدا قبل الحادث.. وعندما نظر من شرفة شقته وجد عمالا بالدور الأرضي يقومون بإزالة الحوائط وثلاثة أعمدة وعندما سأل عن سبب هذه الهدم في العمارة قال له البواب اجراءات توضيب حتي يتم اعطاء مساحة أكثر وتأجيرها أو بيعها كمحلات تجارية. وأضاف أن معظم المقيمين بالعقار في دول الخليج وخاصة طلبة فهناك طارق بهاء ومحمد بهاء بتجارة دمنهور في العقد الثالث من العمر.. ومن المفارقات الغريبة للقرار أن هناك أربعة أطفال في التعليم الأساسي أعطتهم مدارسهم اجازة في هذا اليوم فلم يذهبوا للدراسة لكن الموت اختطفهم داخل هذه العمارة ووالدتهم.
| |
|