آثر الزميل الصحفي العراقي جواد كاظم، الذي أقعده رصاص الإرهاب عن السير، العمل على أن يبقى منزويا عن العالم، وقرر أن يقدم نشرات الأخبار على كرسي متحرك. واختار أن يقدم نشرة الأخبار في الليل عندما تقلّ أخبار المفخخات والمتفجرات، ويكون العالم العربي نائما كما يقول.
وخلال الحوار معه، يضع جواد يده على قلبه ويقول "هنا لامست الرصاصة قلبي واستقرت في عمودي الفقري .. قلبي لا يزال ينبض ويحب وأنا أبحث عن بنت الحلال".
رغم ذلك، يشعر جواد بالاسى لتجاهل المسؤولين العراقيين ما حصل له، فيما احتضنته دبي وكرّمته.
الارهاب يلاحق قلوب المراسيلن
ظهر السبت يوم 18 -6- 2005 في بغداد غادر جواد كاظم مكتب قناة العربية في بغداد متجها إلى حي الكرادة ليتناول طعام غدائه. وبعد مغادرة المطعم كانت مجموعة مسلحة بانتظاره حيث أشهر أحدهم مسدسا ووضعه في رأسه جواد وطلب منه السير معهم، فرفض الدخول إلى سيارتهم.
ويبدو أن "اناقة" هذا المسلح وارتدائه لباسا عصريا -كما يصفه جواد- لم يمنعاه عن إطلاق النار عليه والفرار بدم بارد.
قال جواد " وضع المسدس في منطقة قلبي وأطلق رصاصة ثم أخرى في الوجه وثالثة بذراعي والرابعة في الهواء".
وبلطف وتدخل من العناية الالهية مرت الرصاصة خلف قلب جواد ملامسة له واتجهت إلى العمود الفقري وكسرت فقرتين وأضرت بالحبل الشوكي وانتزعت في عمل جراحي في الأردن، وهو من سبب له الشلل.
ومؤخرا تبين وجود شظية متبقية من الرصاصة تحصر الحبل الشوكي فيما كانت الصور الشعاعية تشير في البداية إليها على أنها كتل من الدم .
ويقول جواد "حتى لو تم نزعها لن يتغير وضعي، وعلاجي الفيزيائي الآن هو للحفاظ على حيوية جسدي ، فأضرار الرصاصة بالحبل الشوكي كبيرة حيث أضرت بمسافة 3 سم ".
ويعتقد جواد أن الارهاب في العراق استهدفه لأنه "اعلامي ويعمل في العربية التي لها حضور كبير في العراق".
مذيع على كرسي متحرك
ورغم أن الارهاب قرر مصير رجليه، إلا أنه لم يتمكن من التحكم بمصير قلبه وعقله كما تؤكد ابتسامة جواد كاظم ، ولم تكسر إرادته كما يظهر جليا من اعتلائه منصة الاخبار ليكون مذيع أخبار في العالم على كرسي متحرك.
ويقدم جواد نشرتي إخبار مسائيتين أسبوعيا، وعن هذه التجربة يقول: المذيع لا يحتاج قدمين للعمل، صوتي جيد ووجهي مقبول فعرضت الفكرة وقبلت الإدارة وظهرت ولكن ظهوري قليل لأن المذيع يجب أن يكون دائما مرتاحا وأنا لست دائما في مزاج جيد.
وأضاف "اخترت النشرات الليلية بعيدا عن أخبار المفخخات وهو الوقت الذي يكون أيضا فيه العالم العربي نائما وهذا أكثر هدوءا بالنسبة لي".
ويتابع "أبقى على نفس الكرسي لأنه من الصعب أن أنقل إلى كرسي آخر..
أسيطر على الوضع وأنتعش نفسيا، وارجع للبيت وأنا مرتاح نفسيا لأنني أديت دوري وانتصرت على حالتي ولم أنزو عن العالم".
وكان جواد كاظم مذيعا في الاذاعة والتلفزيون العراقي منذ عام 1989 قبل أن يصبح مراسلا صحفيا، وهو من مواليد عام 1966، ودرس الاقتصاد والادارة.
قلبه يبحث عن "بنت الحلال"
يقضي جواد كاظم معظم وقته على الانترنت وقراءة بعض الكتب مثل مؤلفات العلامة العراقي الشهير علي الوردي.
ويقول إنه كتب جزءا كبير من قصته لكنه لم يكملها " وذلك لوجود نقاط تثير إشكالا قانونيا بسبب شكوك حول اسماء أنها كانت وراء محاولة خطفي واغتيالي والشك لا يكفي للنشر قانونيا ".
وفي تفاصيل حياته اليومية، يشكو جواد من معاناته مع الخادمات الآسيويات، فيشير إلى أن الخادمة تطمع في كرم وطيب الشخص العربي فتستغل هذه الطيبة وتتمادى . ويقول "وكلما قررت التعامل بشكل صارم مع الخادمة الجديدة لا أقدر وأحس أنني مسؤول عنها لأنها تترك بلدها وأهلها لتعمل هنا".
وفي الاوقات التي لا تكون فيها والدته موجودة معه في الامارات، يحاول جواد كاظم أن يعد طعامه العراقي بنفسه بمساعدة الخادمة، مستمعا إلى الطرب العراقي القديم.
وخلال الحوار يتلمس جواد كاظم قلبه، ويؤكد أنه من عناية الله ولطفه به أن الرصاصة لم تخترق القلب الذي لا يزال ينبض ويحب ويبحث عن بنت الحلال.
يقول جواد "لم أكن متزوجا قبل الحادثة .. والآن أبحث عن بنت الحلال التي تفهمني وتحبني .. وأنا وضعي الجسدي يسمح لي بذلك كما قال الاطباء".
ويستمع جواد يوميا إلى تلاوة من القرآن الكريم بصوت القارئ محمد صديق المنشاوي، الذي يخفف ألمه كثيرا ويساعدة على تمضية نهاره، كما يقول.
..واستحق جائزة الشجاعة الصحفية
ومؤخرا، في احتفالية قناة "العربية" بالذكرى الخامسة على انطلاقتها تم تكريم الزميل جواد كاظم بمنحه جائزة الشجاعة الصحفية. فيما غاب أي تكريم دولي له وهذا ما أحزنه.
وقدم له الجائزة الشيخ وليد بن إبراهيم آل إبراهيم رئيس مجموعة mbc الإعلامية. وقال جواد كاظم إن الشيخ وليد تابع وضعه بشكل مستمر منذ إصابته وتكفل برعايته بما في ذلك إحدى أهم مراحل العلاج في بريطانيا والاقامة المريحة لوضعه في دبي.
وانتقد جواد كاظم الموقف السلبي للحكومة العراقية إزاء ما جرى له، وقال "كثير من المسؤولين العراقيين أصبحوا نجوما سياسيين بسبب الصحفيين والاعلام، لم يهتموا بي أبدا، ومسؤول عراقي تهرب من الحديث عن قضيتي، ولكن عزائي بحب الناس لي في شوارع العراقي فقد أصبحت رمزا لهم".
ويشيد جواد بالعناية التي لاقاها في الامارات العربية المتحدة، حيث حصل على تكريم خاص في نادي دبي للصحافة من الشيخ محمد بن راشد نائب الرئيس، وحصل ميدالية زايد وقدمها له الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، فيما تكفل في وقت سابق الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء الشيح حمدان بن زايد بنفقات علاجه وأرسل له طائرة اسعاف من العراق إلى الأردن.